تشكو السيدة "مارجريت راسفيلد" مديرة إحدى المدارس ببرلين متحدثة عن المدارس التابعة للتعليم النظامي في ألمانيا وحول العالم: “أنظروا لهؤلاء الأطفال في سن الثالثة والرابعة ،أنظروا كم هم مفعمون بالثقة في النفس، أنظروا كم هم متحمسون للذهاب إلي المدرسة، لكن مع الأسف معظم المدارس تخذلهم وتفقدهم تلك الثقة”.

ماذا تفعل المدرسة بأطفالنا؟

نعم هي تعلمهم القراءة والكتابة والحساب، لكن ماذا تسلبهم في المقابل؟

إذا افترضنا أن الحياة الدراسية للطفل هي بمثابة  مواجهته الأولى للعالم الحقيقي وتدريب له على تحمل المسؤولية ، فهل يجب عليه قبول التعاسة التي تجلبها المدرسة  لحياته؟

هل التعلم مشقة أم متعة؟

الرياضة أيضاً، هل هي ممارسة غريزية يحتاجها الطفل ويستمتع بها أم أنها منافسة تجلب له الشقاء؟

 يقول إنجلز: "يجب أن نعطي كل إنسان المجال الضروري للتعبير الجوهري عن حياته. إذا كان الإنسان من صنع الظروف، فيجب أن نهيّئ الظروف بصورة إنسانية. إذا كان الإنسان كائناً اجتماعياً بطبيعته، فإنّه لا ينمي طبيعته الحقيقية إلا في المجتمع."

ومن هذا المنطلق لنا أن نتسائل، هل وظيفة النظم التعليمية تقتصر على تجهيز أطفالنا لسوق العمل؟ لكن كم عدد التعساء الذين يمارسون أعمالاً لا تناسب طبيعتهم وميولهم؟ وكم عدد من يدفعون ثمن تعاسة هؤلاء؟

وكيف تدفع المدرسه أطفالنا للتفوق؟ هذا المتفوق الذي بذل سعادته في مقابل نجاحه، هل حقق ذاته؟ وهل تحقيق الذات هو تحقيق النجاح؟

لماذا الآن نحتاج للإجابه عن كل تلك الأسئلة وغيرها؟ لأننا ببساطة نحتاج لوقفه للإجابة عن السؤال الأكبر ألا وهو “ماذا نريد من التعليم؟”

 لم يعد العالم ذاك الذي نعرفه، ولن يعود إلى ما كان عليه. فإن العالم يتغير وهناك مجتمع عالمي جديد في طريقه للتشكّل؛ عالم جديد يولد ومخاضه كل هذا القبح المتمثل في صعود اليمين في الغرب والتيارات والحروب الأهلية في الجنوب والشرق.

لم يعد ممكناً تضليل مراهق إنجليزي يشاهد الظروف الغير آدميه التي يعيش ويعمل بها مراهق مونغولي تحت وطأه حروب الميلشيات للسيطرة علي مناجم الكوبالت اللازم لشركات صناعة الهاتف الخلوي التي تحقق أرباحا طائله.

يوجد الآن مراهق مصري يشعر بالحزن والغضب عندما  يقرأ أخبار ويشاهد صور ذلك المراهق الإنجليزي وصديقته التي فقدها في تفجيرات مانشستر.

ويوجد الآن مراهق صيني توجعه أخبار يشاهدها عن آثار الجفاف على المناطق الاستوائية  الناتج عن تغيّر المناخ الذي تسببه الأبخرة السامة المنبعثة من المصانع.

كما يوجد الآن مراهق أمريكي يدرك ويرفض وعود حكومته بالرفاهية إذا كان ثمنها هو تدمير المناخ وترويج صفقات السلاح بإشعال الصراعات والحروب في العالم.

الآن يتحدث كل هؤلاء مع بعضهم البعض ليجدوا مخرجاً لإنقاذ الإنسانية وإنقاذ الكوكب من هذا الجشع وجنون .

 فماهو التعليم الذي نحتاجه في الطريق إلي هذا العالم الجديد؟

 كيف هو التعليم الذي كان من الممكن أن يجنبنا كل هؤلاء التعساء جالبي الدمار لكوكب الأرض والجنس البشري؟

في ثمانينيات القرن الماضي فرضت قضيه الفروق الفرديه بين الطلاب نفسها في الأوساط التربويه  و” الفروق الفرديه” هو مصطلح وافد علي التربيه من علم النفس، تطور الموضوع في العقود اللاحقة حتى وصلنا في بدايات القرن الواحد والعشرون لهذا الاهتمام العالمي  الغير مسبوق بسؤال ” ماهو النظام التعليمي الأنسب لذلك العالم الجديد القادم؟” وربما سيظل العالم مشغولاً بالإجابه عن هذا السؤال لعدة سنوات قادمة.

 بالفعل حدثت محاولات جادة للتغيير وصياغة مفاهيم جديده للتعليم مثل تجربة “ماريا مونتيسوري”  و”والدورف” و مدرسة “سامرهيل” وغيرهم وظهرت الكثير من المبادرات والشبكات التي تحاول استشراف آفاق جديدة لمستقبل التعليم  فظهر العديد من أنظمة مايسمي بالتعليم البديل مثل :

Home Schooling التعلم المنزلي

Student-Centered Learning التعلم المرتكز علي التلميذ

Self-Directed Education التعلم الذاتي

Two-Way or Multiple-Way Learning التعلم المتعدد الاتجاهات

Project-Based Learning التعلم بالمشروعات

Learning Ecosystem التعلم عبر مجال حيوي

Drama in Education التعلم بالدراما

Flipped Classroom الفصل المنعكس

Free Classroom الفصل الحر

Virtual Classrooms الفصول الافتراضية

يموج العالم الآن بمحاولات وتجارب لتغيير أو إعاده هيكلة النظم التعليمية ، وربما تستمر تلك المحاولات لسنوات عديدة حتي نجد الإجابة في الاستقرارعلي نظام تعليمي جديد يكون الأفضل والأنسب لمسايرة تحديات العالم الجديد، أو ربما تكون الإجابة هي أن الاستقرار علي نظام تعليمي بعينه هو أمرلا يناسب عالم التغيرهو الثابت الوحيد فيه.

يقول "سير/ كين روبنسون" الأستاذ والخبير التعليمي الأشهر: "المجتمعات البشريه تعتمد علي مجموعة متنوعه من المواهب ولا تمتلك مفهوماً واحدا عن القدرة،وعلي نحو ما يقوم التعليم بإبعاد الكثير من الناس عن مواهبهم الأساسية، فالموارد البشرية مثل الموارد الطبيعة، هي لا تظهر علي السطح بل هي مدفونة في الأعماق  وعليك في الكثير من الأحيان أن تذهب لتنقب عنها بتهيئه الظروف التي تُظهرها. يمكن لك أن تتخيل أن التعلم هو الوسيله لإظهار تلك المواهب لكن مع الأسف، في كثير من الأحيان، هو ليس كذلك. كل نظام تعليمي في العالم يعاد هيكلته في الوقت الراهن وهذا لايكفي. التقويم لافائده منه الآن لأن ذلك وبكل بساطة هو إصلاح نموذج محطم،ومانحتاج إليه ليس التطوير بل ثوره في التعليم."

بهاء إسماعيل

هو خبير تنمية مهنية في مؤسسة "علمني" أو كما يطلق عليه زملائه "الخبير الأجنبي"، انضم بهاء للمؤسسة عام ٢٠١٦ لإيمانه بقضية تطوير التعليم بعد  أن عمل ٢٥ سنة في تدريس مادة الرياضيات بمدارس اللغات وبعدها بالتوجيه الفني كموجه رياضيات ، بعد حصوله علي بكالوريوس العلوم والتربية من جامعة عين شمس عام ١٩٨٩ بعدة سنوات، سافر بهاء إلى الولايات المتحده  في برنامج "تعزيز قدرات المعلم المصري" المقدم من منظمة "الفولبرايت" بالتعاون مع جامعتي "كلارك أتلانتا" Clark Atlanta University و "جورجيا ستيت" Georgia State University، ثم حصل علي منحة منظمة الجايكا اليابانيه سنه ١٩٩٧ لبرنامج التعاون الأفريقي للقرن الواحد والعشرين (طوكيو- أوساكا)، وفي سنة ٢٠١٣ حصل بهاء على دبلومة المعلم المحترف  في "القياده التربوية" من الجامعة الأمريكية.