في يوم ربيعي جميل والشمس طالعة مع نسمة هواء خفيفة ، أخدت بعضي ونزلت أقعد شوية في النادي اللي متعود أروحه، طلبت شاي بلبن وقعدت في وسط  خضرة وشجر وجو يرد الروح، على مرمى بصري كنت شايف مجموعة أطفال ماشيين بيقربوا عليا عمرهم مايزدش عن عشر سنين، صوت ضحكهم الملائكي وهما متحمسين وكل واحد فيهم لابس اليونيفورم الملون بتاع  فريق من فرق الكورة المصرية زاد من أملي في الحياة ولما قربوا مقدرتش أمنع فضولي فسألتهم : “رايحين فين؟” قالوا لي “عندنا بطولة في الملعب”، ولأن تدريب الكورة هو شغلتي روحت واخد الشاي بلبن واتجهت معاهم للملعب وأنا متأثر بالأجواء الملائكية اللي أنا فيها دي، وقعدت وسط جمهورغفير من أولياء الأمور علشان أشجعهم وأنا مليان بالتفاؤل والإيجابية، لكن قبل ما آخد أول شفطة من الشاي بلبن، تحولت الأجواء الملائكية دي إلى فيلم رعب من إخراج جون كاربنتر أو ألفريد هيتشكوك.

مدربين بتزعق وبتشتم  و”بتاكل الولاد نص”! عيال بتهرب برة الملعب من كتر الخوف وأولياء أمور بتصرخ وبتشجع بهيستيريا لدرجة إن معظم الفرق الخسرانة كانوا مفلوقين من العياط وكأن الهدف الوحيد من اللعب هو المكسب ولا شئ غير المكسب.

 ولو حكيتلكم على شكل اللاعبين وطريقة اللعب فحدث ولا حرج عن السيناريو المعتاد اللي بنشوفه في فرق ناشئين كتير؛ معظم الفرق كان عندها لاعب طويل جداً شكله مش أقل من 15 سنة، هو اللي واخد الكورة و بيجيب كل الأجوال، كل الأولاد كانت بتلعب للولد الكبير علشان بيجيب أجوال بسهولة وبعضهم قاعدين إحتياطي و مابيلعبوش غير دقائق معدودة على مدار البطولة، وده طبعاً بتأييد من المدرب وأولياء الأمور وموافقة إداريين الأندية، والنتيجة إنه في الآخرولا الأطفال اللي بيلعبوا معاه بيتعلموا، ولا هو نفسه بيتعلم!

والسبب ورا السيناريو المعتاد ده هو وضع المكسب كأولوية قصوى وتطبيق ظاهرة “التسنين” المشهورة،  وهي ضرب أوراق لولد أو بنت علشان يتسجلوا بعد ما اتولدوا بسنتين تلاتة (أحياناً خمس سنين)، فيبقى الولد بيلعب في مرحلة عمرية أصغر منه بكتير، والنتيجة هي إنه بعد فترة زمنية معينة، الولد اللي كان أمل النادي بيصبح لاعب عادي جداً، لأنه إعتمد على بنيانه الجسدي و لما الولاد التانية بتكبر بتبقى الميزة اللي عنده مالهاش لازمة.

لكن الرياضة مش حكاية مكسب سواء شريف أو غير شريف، الرياضة الهدف منها غير كدة خالص، وعشان كدة حبيت أوجه رسالة ونصيحة عملية لكل أب وأم ومدرب ومدرس تربية رياضية أفكركم  إحنا بنلعب أولادنا رياضة ليه وبنتعب نفسنا ونتعبهم ليه.

أولاً، أولياء الأمور:

الرياضة هي فرصة ذهبية لأطفالنا إنهم يعيشوا محاكاة هي الأقرب للحياة العملية. أوقات إبنك هيكسب وأوقات هيخسر، أوقات هيبقى حابب الناس اللي جنبه في الملعب وأوقات مش هيبقى حاببهم، وأوقات هيبقى في ظروف خارجية صعبة عليه، سواء ملعب أو تحكيم أو منافس غشاش، وأوقات هتبقى الظروف في صالحه.

الرياضة بتوفر دروس في الحياة لازم ولادنا وبناتنا يتعلموها ومفيش بيئة أحسن من الرياضة تقدر تعمل ده، لأنها بيئة آمنة بس في نفس الوقت فيها قدر صغير من المخاطرة،وهي دي بالضبط الحاجة اللي الأطفال محتاجينها: فرصة للتجربة وهما عارفين إن في شبكة أمان هتحميهم ، الرياضة فرصة عملية للأطفال يتعلموا مهارات حياتية مهمة زي التعاون مع الآخرين اللي هما فرقته، والمثابرة لما يكون خسران، والإحترام تجاه المدرب والخصم.

أهم حاجة إنه يتعلم كل ده بغض النظر عن المكسب أو الخسارة ولذلك، قبل ما تشتركوا لولادكم في تمرين لعبة جماعية، اتأكدوا إن القائمين عليها مش بيقيسوا النجاح بالمكسب والخسارة،  لأن ده بيمنع المدرب من إنه ياخد حريته و يدي الأطفال اللي معاه فرصتهم.

حاجة من اللي ممكن تعملوها لضمان إن ولادكم يستفيدوا من الرياضة اللي بيلعبوها على جميع الأصعدة هي التأكد من إن الأكاديمية أو المدرب اللي بيدرب أولادكم بيتبع سياسة  إسمها “Equal Playing Time” أو “وقت اللعب المتساوي” و هي إن كل طفل من الأطفال اللي في الفريق يلعبوا وقت قد بعض في المباريات.

 بعض الأندية في أوروبا وأمريكا بتطبق السياسة دي لحد سن معين علشان المكسب مش مهم في السن الصغير، ولكن المهم هو التعليم و التنمية، والجهة المصرية الوحيدة اللي طبقت حاجة شبه كدة هي إتحاد التنس المصري، الإتحاد لما لقى أطفال كتير بيسيبوا لعبة التنس في سن صغير، راح لاغي الترتيب والنقط في بطولات الناشئين حتى سن معين، لأن مش منطقي إن طفل تحت سن 10 سنين يتحط تحت ضغط مكسب و خسارة  وعدد نقط وهو لسة بيتعلم أساسيات اللعبة.

باختصار، إعرف إبنك أو بنتك المفروض يمارسوا رياضة ليه، الرياضة مش هدفها الأسمى المكسب وإن أطفالنا يبقوا أبطال، الهدف إنهم يطلعوا أشخاص أسوياء مبادرين ناجحين في حياتهم الشخصية والعملية يقدروا يشرفوا بلدهم بأخلاقهم لو حبوا يطلعوا بطولات، وعشان تأدوا دوركم صح كأولياء أمور، خلوا في لغة حوار بناءة بينكم وبين أطفالكم بعد التمرينة أو المباراة. أسئلة زي “إتعلمت إيه النهارده؟” أو “عملت إيه كويس؟ ”  هتفرق معاهم جداً، ولو كان الرد إنه ماعملش كويس ، إسألوه “طيب هتعمل إيه أحسن المرة الجاية؟” لكن لما تسألوه كسبت ولا خسرت إنتوا بتضيعوا عليه فرصة التفكير في الحاجات اللي إستفادها من تمرينة اليوم اللي هي عادة ممكن تكون حاجات كتير أوي مستنية تطلع وتوضح قدامه بمناقشتكم ليها معاه.

ثانياً، المدرب ومدرس التربية الرياضية:

دورك مماثل في الأهمية للمدرس وولي الأمر، بل أحياناً تأثيرك بيبقى أكبر من الإتنين دول، الأطفال موجودين عندك علشان بيحبوا اللعبة مش علشان مفروضة عليهم، ومسئوليتك هي الحفاظ على عنصر المتعة في اللعبة، لأن لو ده راح هتبقى جزء من روتين الطفل اليومي، مش حاجة الطفل منتظرها بفارغ الصبر.

أكيد كل مدرب عارف إن التعليم البدني تخصص والتدريب علم ولكن للأسف في مصر قليل أوي اللي بيطبق التدريب البدني بشكل علمي. أنا كمدرب أخدت فرصة لتلقي جزء مبدئي من علم التدريب على يد مدرب إنجليزي صاحب خبرة 25 سنة من الإتحاد الإنجليزي لكرة القدم (English Football Association)، اتعلمت نظرياً وعملياً نموذج الأركان الأربعة وكيفية تطبيقه في كل تمرينة ويهمني إن كل مدرب يكون على علم بيه ويبتدي يطور نفسه فيه.

النموذج ده هو إن كل تمرينة لازم يكون فيها 4 أركان: الركن البدني والفني والنفسي والإجتماعي.  للأسف في مصر بنطبق الجزء البدني والفني بس وفي الأغلب بنطبقهم غلط، وعمرنا ما بنفكر نطبق الجزء النفسي والإجتماعي.

بالنسبة للجزء البدني، لما بنعمل برنامج تدريبي عندنا في الأكاديمية، بنهتم إن الجزء ده يغطي احتياجات الأطفال كلها، من مرونة و رشاقة وسرعة رد فعل وتوافق عضلي عصبي، و كل ده مالوش علاقة باللي تم التعارف عليه في مصر بمصطلح ال “fitness” . مش مهم الولد أو البنت يجروا كتير ولكن المهم بيجروا إزاي والجري ده بينمي عندهم إيه؟ كتير من مدربينا بيخلوا الأطفال الصغيرين يعملوا تمرينات بدنية ظناً منهم إنه الأطفال كدة “بتجيب نفس” وبتكبر العضل في حين إن الأطفال معندهمش لسة هرمون التستوستيرون Testosterone في جسمهم، يعني عمرهم ما هيجيلهم شد عضلي ولا بيحتاجوا لتسخين  قبل اللعب ولا النفس عامل مهم دلوقتي أصلاً لأن الأطفال مش بتتعب زي الشباب والكبار، كل اللي محتاجينه الأطفال إنهم يستمتعوا وفي نفس الوقت ينموا قدراتهم البدنية اللي ليها علاقة بسهولة الحركة وسرعة إستجابة الجسم لتحركاتهم دي.

 أما في الجزء النفسي، فبنعمل تمارين ليها علاقة بسرعة إتخاذ القرار والثقة بالنفس وكلها في شكل ألعاب علشان عنصر المتعة يفضل حاضر دائماً، عادةً بتكون تمارين بسيطة زي سباق بالكورة مع وجود بوابات يمين وشمال وتوجيهات بتتقال كل فترة معينة بهدف إن الأولاد يغيروا إتجاه الجري ويروحوا يعدوا من كل بوابة في الملعب ويرجعوا لنقطة إنتهاء السباق، والتمرينة دي على قد ما هي بسيطة لكن فيها الأركان الأربعة: جزء فني بيتعلموا فيه الجري بالكرة وتغيير الإتجاهات،وجزء بدني بيتعلموا فيه توافق عضلي عصبي و بيشتغلوا على الرشاقة، وجزء نفسي بيتعلموا فيه سرعة إتخاذ القرار، و جزء إجتماعي بيتبسطوا فيه عن طريق المنافسة مع زمايلهم، مع التركيز دائماً على تنمية عقول وأجساد وإنفعالات الأطفال دول، مش إنت بتكسب ولا بتخسر.

الخلاصة إن مسألة المكسب و الخسارة دي مش المفروض تيجي إلا بعد سن ال 16 سنة. كل اللي قبل كدة ده تعليم و تنمية لمهارات و قدرات الطفل البدنية و الفنية و النفسية و الإجتماعية. مفيش أي أساس علمي ولا إحصائي لمفهوم إننا لازم نعود الأطفال عالمكسب من وهما صغيرين علشان يبقوا أبطال، ولا حتى علشان يبقوا ناجحين في حياتهم. لازم تغلط علشان تتعلم، ولازم تخسر علشان تقدر طعم المكسب. الرياضة مش مكسب، و الكورة مش بس اجوال.

عبد الرحمن طارق يحيى

عبد الرحمن طارق هو مدرس و مدرب مرخص من الإتحاد الإنجليزي لكرة القدم، بيحاول يلاقي مساحة مشتركة ما بين التعليم و الرياضة و التدريب. بعد تخرجه  في2014 و حصوله على ماجيستير إدارة أعمال، أسس Assist: Football for Development، علشان يساعد في إصلاح منظومة الرياضة المصرية بشكل عام، و منظومة كرة القدم بشكل خاص. بحكم ممارسة والده للرياضة كلاعب في نادي الزمالك سابقاً و مدير فني في الدوري الممتاز لكرة القدم حالياً، عبد الرحمن عاشر مشاكل الكرة و الرياضة من و هو صغير، و حلمه إن الرياضة تتمركز حول التعليم و التنمية قبل ما تفكر في المكسب و البطولات، و إن مهنة التدريب يبقى ليها نفس قدسية مهنة التعليم، لو ده حصل النتيجة الطبيعية هتبقى أطفال سوية و واعية في طريقهم إنهم يبقوا أبطال مبدعين.