وإحنا في سنة ٢٠١٧ حيث تسيطر التكنولوجيا على معظم مناحي الحياة؛ وتعتبر من أهم إن لم تكن الأهم في تطور و تقدم أي بلد، من الطبيعي إنه  يتم تدريس مادة” الحاسب الآلي” في المدارس، لكن الغير طبيعي هو إن مادة “الحاسب الآلي” لا تواكب تطور تكنولوجيا ومش بتستخدم في تطوير مهارات الأطفال.

لما كنت طالبة في قسم العمارة بكلية الهندسة كان عندنا مادة “حاسب آلي” كنا فاهمين إن الهدف منها هو تطوير مهاراتنا في استخدام الكمبيوتر علشان نعرف نستخدم برامج التصميم والتنفيذ المعماري بشكل صحيح.

لكن ده مكانش اللي بيحصل،والحقيقة اللي اكتشفناها إنه مكانش في أي اتساق بين الهدف من المادة ومنهج المادة نفسه، و من كتر ما المنهج كان غير مفيد، ماعلمش في ذاكرتي خالص… ولكن اللي لا يمكن أنساه- لشدة توقفي أمام عدم جدواه- هو الامتحان!  امتحان الكمبيوتر كان “امتحان نظري” ، يعني بنكتب اللي اتعلمناه في ورقة وكأننا كنا بنتعلم “عن” الكمبيوتر مش بنتعلم كمبيوتر! كنا بنجاوب أسئلة عن استخدام "الفأرة" وأهمية "سطح المكتب" و بنجاوب أجوبة من نوعية” اضغط زر كذا” و “انقر مرتان”.

ليه مادة عملية  كانت بتدرس وكأنها مادة نظرية؟ ده  هيفضل لغز كبير بالنسبالي، واللغز الأكبر، ليه الموضوع مستمر في المدارس والجامعات مع إننا في ٢٠١٧؟ إيه اللي هيستفيده الطلبة من ده؟ ماعنديش إجابة.

المهم مرت السنوات، واتخرجت من كلية الهندسة و بدأت عملي في المجال اللي بحبه: تعليم الأطفال في المناطق المحتاجة، وكان من ضمن  الأطفال دول من لا يستطيع القراءة والكتابة رغم التحاقهم بالمدرسة،و من ضمن البرامج اللي كنت بدَّرسها لهم هي "الحاسبات و البرمجة".

وقررنا نعلم الأطفال برمجة بجد وبدأنا ببرنامج  Scratch -بعد ما تم تدريبي على استخدامه و تدريسه- و هو بيقدم  لغة برمجة بسيطة للأطفال يقدروا من خلالها يصمموا ويبرمجوا ألعابهم و يحكوا قصص ويصمموا تطبيقات للموبايل كمان، ومع أول حصة لينا ابتدا السحر، الأطفال اللي مش بتعرف تقرا ولا تكتب بقت بتعرف تبرمج!

الشغف والإبداع  كان واضح عليهم لأنهم موجودين فيهم بالفطرة والبرنامج كان بيحث على انهم يستخدموا شغفهم الطبيعي بألعاب الكمبيوتر في التفكير الإبداعي،  الحصة كانت بتخلص وهما مش عايزينها تخلص وفي أيام تانية كنت بلاقي أطفال منهم جايين يقولولي "يا ميس، تعالي أوريكي الألعاب اللي عملتها امبارح" رغم أنه مكانش في جدوله حصة كمبيوتر.

البرنامج ده مكانش بيشتغل على تنمية التفكير الإبداعي عندهم فقط، بل كمان كان بيشتغل على قدرتهم على التفكير المنطقي، والمثابرة، وحل المشكلات، وده كان موجود بشكل واضح خصوصاً في حالة الأطفال اللي كنت بدرسلهم، كانوا بيقدروا يبرمجوا رغم عدم قدرتهم على القراءة و الكتابة، فمثلاً  البرنامج بيشتغل بتركيب اللبنات ولما الأطفال كانوا بيحاولوا يركبوا بعض اللبنات لتحريك القط (الشخصية الأساسية في Scratch) — كانوا بيلاقوا إن البرنامج مش بينفذ اللي هما عايزينه بالضبط؛ زي مثلاً إن دوران القط كان سريع جداً، أو إن القط مش بيتحرك في الاتجاه المرغوب أو مش بيتحرك على الإطلاق، وساعتها كنا بنتناقش وأسألهم أسئلة زي “في رأيك أنهو لبنة محتاجة تعديل أو إزالة؟” أو “إيه مقدار التعديل المطلوب؟ وليه؟”  كانت الحصة دايماً قايمة على نقاش يتبعه تجريب واختبار ثم نقاش تاني، وهكذا، لحد ما يوصلوا للنتيجة اللي هما عايزينها.

من كتر ما البرنامج ده كان ممتع للأطفال وبيمرنهم على حل المشكلات، في المستوى التاني منه فكرنا إن الأطفال ممكن  يستخدموه لحل مشكلة من واقع حياتهم و فعلاً بتمسهم، و بالفعل استخدمه الأطفال لتوعية الأطفال اللي أصغر منهم سناً بمخاطر القمامة  اللي موجودة بكثرة في منطقتهم وتأثيرها السلبي على الصحة، وده كان من خلال برنامج عملوه للعبة بتوري مستخدمي اللعبة تأثيرحرق القمامة وتأثير الحشرات الضارة اللي بتيجي بسببها على الصحة وإزاي ده بيأثر بالسلب على قدراتهم و نشاطهم وحياتهم بشكل عام ؛ والبرنامج ده كان بيخلي الأطفال تتعلم وتستمتع  في نفس الوقت.

حصة الكمبيوتر ممكن تكون عملية جداً لدرجة إنها تلهم الطلاب بحلول لمشكلات حقيقية في حياتهم والحصة دي ممكن يكون لها تأثير كبير في تطوير مهارات التفكير والتنفيذ عند الأطفال ،خصوصاً إن مجال الكمبيوتر بيسترعي انتباههم بشدة ،  ومن رأيي إن وزارة التربية والتعليم ممكن تستفيد من تطبيقات لبرامج زي Scratch ليتم استخدامها في المدارس لتطوير مهارات الطلاب مع إعطائهم الفرصة للاستمتاع بعملية التعلم في آن واحد، لأنه حان الوقت لأن تصبح حصة الكمبيوتر حصة عملية ومفيدة مش حصة نظرية وبتركز على حفظ المعلومات.

نرمين الكمَّار

نرمين أحمد الكمار: حاصلة على بكالوريوس الهندسة المعمارية. أثناء دراستها بكلية الهندسة، وجدت أنه ليس المجال الذي تريد دراسته أو العمل به، مما أعطاها أول استبصار لأن التعليم، خاصة التعليم الأساسي لا يساعد على معرفة ما نريد تحقيقه في حياتنا، ما نستطيع عمله، وما نفتقر إليه و نريد تعلمه. عملت نرمين بمؤسسة علمني لمدة خمس سنوات في تطوير المناهج كما عملت كميسرة، ومشرفة تعليمية، وباحثة، ومديرة لمشروعات تطوير وتصميم مناهج متعددة. تستكمل نرمين الآن مسيرتها في تطوير مناهج التعليم المجتمعي بمدارس من أحياها المجتمعية، وهي في رحلة مستمرة من الدراسة؛ دراسة التربية و البحث من خلال مسارات متعددة، ودورات مختلفة، وورش عمل، وقراءات، ودبلومة في تربية الشخصية، و تخصص في طرق البحث بالعلوم الاجتماعية، وهي مؤمنةً بأن التربية والتعلم هما رحلة الحياة نفسها؛ فالتعليم ليس-في ذاته- هدف ينتهي ، والتعلم، والاكتشاف، والاستكشاف والتطوير لا ينتهوا أبداً.