تدور الآن تصفيات كأس العالم، ولا يلبث أن يخلو حديث أو خبر من شيء له علاقة بكأس العالم، وحتى بعد خروج منتخبنا الوطني، لن يكون من السهل نسيان مستجدات وطرائف هذا الكأس، لكن هل يمكن استغلال هذا الحدث العالمي الترفيهي ليكون أيضا حدث تعليمي لا يُنسى؟

تشغلني في كثير من الأوقات أسئلة حول أفضل الوسائل لتعليم شيء ما له علاقة بواقع نعيشه ونحتك به، كيف يمكن أن ننفذ ذلك بشكل فعال وممتع  في نفس الوقت؟ فأجد كأس العالم وذلك الحماس والشوق الحار والمتعة التي تتزايد كلما تقدمنا مرحلة واقتربنا من المباراة النهائية، فتنتابني الغيرة من أن يظفر هذا الحدث الترفيهي الرياضي بكل تلك المشاعر وحالات المتعة، بينما يخيم الملل والكسل والعزوف على كثير من المساحات التعليمية، وهي التي تخاطب فطرتنا وتلبي رغبتنا في البحث والمعرفة، ليبدأ ذلك السيناريو الخيالي في ذهني وأنا أحاول استغلال ذلك الحدث بمشاعره الحماسية وأقوم بربطه بتجربة تعليمية تزيد من متعة متابعة كأس العالم لتلميذي أو ابني التخيلي.

وهنا أطرح بعض الأسئلة من جديد واقترح بعض الطرق التي قد تساعد بعضنا ممن يربون الأطفال في الاستفادة من هذا الكأس بشكل تربوي وتعليمي:

 هل سيكون الأطلس رفيقنا في هذه التجربة؟

لنرى البلاد المتأهلة لكأس العالم أو تلك التي ستلعب المباراة التي سنشاهدها ونحدد مكانها على الخريطة، ربما يمكننا تصنيفها حسب القارة التي تتواجد بها أو اللغات التي تتحدثها.  طفلي لا يعرف القارات أو اللغات بعد؟ بالتأكيد ستكون هذه فرصة رائعة وممتعة للتعرف عليها.

"الماكينات الألمانية" و "الماتادور"؟ لماذا هذه التسميات؟

نشاهد المباراة الآن ونسمع المعلق،عصام الشوالي،  يلقب المنتخبات بأسماء غريبة، نسمع منتخب السامبا والتانجو، أسود الأطلس ونسور قرطاج، والماتادور والماكينات الألمانية.. إلخ، لماذا هذه الأسماء؟ وما سببها يا ترى؟أظن أنها ستكون فرصة جيدة لتعلم بعض الملامح الثقافية أو الطبيعية أو التاريخية التي تميز هذه البلاد.

ما دلالة ألوان الأعلام ورسوماتها؟

ربما  تضفي بعض الأعمال الفنية هنا المزيد من المتعة، لنحضر أقلام ألوان وأوراق بيضاء للرسم ونقوم برسم أعلام تلك الدول. هل لتلك الألوان أو الرسوم الموجودة بالأعلام قصة أو رمز لشيء ما؟ بالطبع! لنبحث عنها ونتعرف عليها لأنها قد تقودنا إلى التعرف على بعض الأحداث التاريخية عن هذه البلاد.

أكاد أسمع أحدكم يفكر أن المباريات تتوالى بسرعة وأن هذا كله يبدو كثيرا بالنسبة للوقت.

حسنا هذه مشكلة، فأحدهم يريد الانتهاء بسرعة من المباريات غير مراعيا لعملياتنا التي تدور هنا، لنفكر في حل لها.أو تعلم أن ليس كل هذه المنتخبات جديرة بكل هذا الاهتمام وجمع المعلومات عنها،ربما علينا أن ننتقي البلاد التي سنتعلم عنها، فمثلاً، كلما تأهل منتخب لدور أعلى استحق منا عناء أكثر للتعرف عليه، حتى أننا سنتعلم بعض الكلمات من اللغات التي تتحدث بها المنتخبات التي ستتأهل لربع النهائي لنشجعها بها، وربما نحفظ النشيد الوطني للمنتخب الفائز ونفهم معانيه.

وماذا عن البلد المضيف؟ 

لم لا نأخذ فكرة عما استفادته روسيا من تنظيم هذه الدورة!

لنحاول معرفة التكلفة التي تكبدتها هذه الدولة وما ستجنيه بعد انتهاء المسابقة؛ لنعرف كيف عاد عليها اقتصاديا ،وأيضا كيف يمكن أن تكون استفادت سياحيا وثقافيا من ذلك، كما أنه يمكننا معرفة عاصمتها وأكثر عن المدن التي تستضيف المجموعات المختلفة وما يميز كل منها.

هل أنت قلق أن يأتي لك طفلك ويطالبك  بكل هذه المعلومات؟

قل له: في الواقع أنا لا أعرف معظمها، لكن لماذا لا تجذب ذلك الكتاب من المكتبة لنبحث فيه أو نذهب لنبتاع واحدا، هل جربت البحث على الإنترنت؟ لنفعل ذلك.

 لننشئ فرقنا الخاصة بالمنزل!

هل لطفلي أخوة؟ هل بدأوا يتذمرون الآن من عدم مشاركتهم في هذه الرحلة؟ لا بأس، لنقسم البلاد علينا ويشجع كل منا بلد غير الآخر، وليثبت كل منا مدى حبه لفريقه وتشجيعه له بالمعلومات التي يعرفها عنه والأشياء التي تعلمها من أجله، ولنقم بعمل بعض الأزياء والأدوات التي تعبر عنهم لتشجيعهم.

لماذا تبدو حزينا هكذا؟ هل هذا بسبب خروج المنتخب الذي تحبه من المسابقة؟ هل حرّك الدموع التي تحاول مغالبتها في عينيك مشهد تلك الشابة الحزينة وذلك العجوز المحبط واللاعبين الذين يواسون بعضهم البعض؟

لنتعرف على خليط المشاعر المتداخلة التي تنتاب الإنسان وكيفية التعامل معها 🙂

ربما تكون هذه فرصة لتختبر المشاعر المختلفة وأن تعرف أنه كما يوجد مشاعر فرح ونشوة وحماس، هناك أيضاً حزن وإحباط وصدمة، ربما هذه فرصة لأساعدك على التعامل معها وأنا موجود لأوجّهك، حسنا لا تقلق فأنا بدأت أشعر أنا أيضاً بالحزن الآن لأنني سأضطر لتعلم كيفية القيام بذلك قبل فعله معك ☹

أتعلم كم المناقشات التي يمكننا أن نحظى بها عن أهمية الرياضة وتأثيرها؟  لعلي أروي لك يوماً كيف استغل زعيم كمانديلا الرياضة لبث الأمل والثقة في شعبه.

حسنا لكني بدأت أقلق..أفكر إذا كنت سأجد الوقت لهذا أو أنه سيكون عندي سعة البال لتقبل كم أسئلته، لكن في الحقيقة أجد ما يتغلب على قلقي هذا من حماس وفضول، فأنا أتوق لرؤية النظرة التي ستبدو عليه حين يطلق الحكم صافرة النهاية لمباراة النهائي ونشاهد تتويج الفائز والاحتفالات الختامية وكأنها احتفال أيضا بانتهاء مغامرتنا… عندما ينظر للوحة النتائج والأعلام والأزياء والرسومات،  هل ستكون نظرة ثقة واعتزاز بما تعلمه أو ستكون نظرة حزن لانتهاء الرحلة؟

أتحرق شوقا لما قد يفاجئني به طفلي بعد بحثه، سيكون هناك الكثير مما لا أعرفه من كل هذه المعلومات التي سيسأل ويبحث عنها، ولما لا فليعلم أن أباه ليس هو مصدر المعلومة الوحيد ورأس الحكمة، وأن هناك طرق عديدة لاكتساب المعرفة، ليكون احترامه لأبيه وحبه له، ليس لأنه يعلم كل شيء لكن لأنه يسانده ويساعده في تعلمه، لتكن هذه فرصة لنكون نحن الاثنين في نفس المستوى، لأكون صاحباّ له، لا وصيا عليه أو مسؤولاً عنه.

لتكن فرصة للعب معه، ليس بملاطفته و”أخده على قد عقله” لكن بمشاركته في أمر أنا مستمتع به بالفعل ومهتم بمعرفته، لا متظاهرا بذلك.

ستمر الأيام وتتوالى كؤوس العالم، وربما عندما يأتي ذكر هذه المرة سيتذكر ما تعلمه وما مررنا به سويا، سيكون لديه ذكريات سعيدة عن أشياء تعلمها ومشاعر اختبرها وصديق حميم شاركه تلك الرحلة كان في الحقيقة أبيه أو معلمه!

أحمد الكومي

أحمد الكومي هو مساعد تصميم بقسم التصميم في مؤسسة علمني، وهو القسم المسئول عن تصميم المنتجات كالتدريبات، المناهج، المعسكرات، وغيرها. هو حاصل على البكالريوس بالهندسة المدنية ولكنه شغوف بالتعليم و تطويره، تطوع أحمد خلال دراسته الجامعية بنشاط Fun Science الطلابي الذي يهدف لتقديم العلوم المختلفة بشكل يعتمد على المشاركة والمتعة لطلبة الجامعة والمدارس، وبعد التخرج حصل على زمالة لازورد التي يُشرف عليها مركز “جون جرهارت” بالجامعة الأمريكية بمصر والتي تهدف لتزويد الحاصلين عليها بالمهارات اللازمة للقيادة والمشاركة المجتمعية، وبالإضافة إلى ذلك، شارك أحمد في عدد من الأحداث والورش والبرامج الخاصة بالتعليم مثل مدرسة “مبادرون في التعليم” التي يقوم عليها “ميدان التعليم” ومركز مدارات للتعلم والمساندة.