ينتابني شعور غريب بأننا نختبر كتب التاريخ من خلال نظارات الواقع الافتراضي. فنحن نعيش جائحة، صراعات بين الشرق والغرب، حروب في بلدان ومناطق شتى والعديد من الاحداث التي قامت ببعثرة قائمة اولوياتنا. ولكن في إعادة ترتيب قائمة أولوياتنا تكمن الفرص، في خضم هذا الزخم نظرتنا إلى الحياة تتغير. ويبدأ فصل جديد من فصول التاريخ.

الأزمة التي نمر بها أظهرت عيوب أنظمتنا الغير مرنة، والحاجة إلى التغيير زادت إلى الحد الذي يجب عنده اتخاذ قرارات حكمية وسريعة، وجعلتنا أكثر عرضة لتقبل التطبيقات التكنولوجية التي كنا نقاومها منذ أعوام في شتى مجالات حياتنا.

أشياء مثل الإجراءات البيروقراطية التي كان بالإمكان أن تتم بضغطة زر، سياسات العمل من المنزل التي ادعت الشركات إنها غير ممكنة، وأخيرًا تطبيق التعليم عن بُعد الذي بإمكانه حل مشكلة كثافة الطلاب بالمدارس والجامعات، وأن يساعد في توصيل التعليم للمجتمعات النائية.

كل تلك التغيرات كان بإمكانها أن تجعل حياتنا أفضل إلى حد ما، والحد من التوتر والضغط النفسي الذي نتعرض له بشكل يومي، وتوفير الكثير من الوقت المهدر. ولكن دائمًا كانت هناك ممانعة كلما تم طرحها.

الآن الحاجة الي التغير وصلت لمستوى لم تصل له من قبل وممانعة التغير قد تعرض حياتنا واقتصادنا للخطر.

التغيير قادم حتمًا، وعلينا أن نحتفي به.

..

نحن الآن بصدد كتابة فصول جديدة من التاريخ، والأحرى لنا أن نتأكد من أن عام 2020 -برغم كل الاحداث السيئة- كان نقطة تحول في مسار التعليم. فقد منحتنا الازمة فرصة التحويل للتعلم الالكتروني. الأمر الذي إذا تم بشكل سليم سيكون له العديد من الآثار شديد الإيجابية. دعونا نتفقد بعضها:

١- العودة إلى مسار التنمية

التعلم عن بعد ليس بالأمر الحديث، فالعديد من الجامعات لديها برامج أكاديمية ذات كفاءة عالية تدرس عن بعد. ولكنه مازال في مراحله الأولى وعاجلًا أم آجلًا سيصبح هو النظام السائد للتعلم. العمل على تطوير نماذج التعلم عن بعد وانشاء بنية تحتية جديدة في مثل تلك المرحلة المتقدمة قادرة على جعلنا نواكب التقدم والعودة إلى مسار التطور الذي انحرفنا عنه منذ زمن بعيد.

٢- الوصول إلى والانتشار في المجتمعات النائية

يمنحنا الإنترنت ونظام التعلم عن بعد حرية التعلم من أي مكان. لم نعد بحاجة إلى التنقل لساعات للذهاب إلي والعودة من المدرسة. يمنحنا أيضًا مرونة قادرة على المساهمة في تقليل نسب التسرب من التعليم. باستثمارنا في بنية الإنترنت التحتية، سنصبح جميعا متساويين في فرص التعلم؛ لم تصبح الجودة قاصرة على المدن فقط، الأمر الذي سيساهم في مجتمع أكثر تعلمًا.

٣- تجهيز التعليم لتكنولوجيا الأشياء

الإنترنت هو المحرك الأساسي للمستقبل. حيث أجهزة الحاسب قادرة على التعلم بنفسها ومساعدتنا على حل المشاكل والتحديات التي نواجها. مستقبل التعليم ليس بالأمر المختلف؛ دور الحاسب الآلي في التعليم هو مساعدتنا في العملية التدريسية حيث يتعلم عن عادات تعلم الطلاب المختلفة ويوفر لنا الملاحظات حول كيف يمكننا أن نحسن من العملية التعليمية كما إنه يعمل على إعطاء تقيم لحظي للطلاب والمدرسيين وأولياء الأمور، ويمكنه أيضا أن يحاكي التجارب التي لم يمكن للطلاب رؤيتها بأي شكل ممكن. يجب علينا أن نتحضر الي هذا المستقبل والانتقال إلى نظام تعلم عن بعد حيث يمكننا تجميع وحفظ البينات هو الخطوة الأولى.

 

٤- تحسين جودة التعليم عن طريق صناعة نوع من المنافسة

لقد سلبتنا قلة الإمكانيات ومحدودية الأماكن من قدرتنا على الاختيار. فنحن لا نختار الي أي مدرسة نذهب أو الي أي جامعة. مما جعلهم غير مكترثين بتطوير وتحسين العملية التعليمية. ولكن مع تطبيق التعلم عن بعد تلك الأمور لن تصبح عائق امامنا. الامر الذي سيعيد الينا حرية اختيار ما ندرس وفي أي جامعة. هذا الشيء سوف يخلق نوع من المنافسة الحميدة التي بإمكانها دفع صانعي القرار إلي السعي وراء التطوير.

٥- انهاء الوصم المجتمعي حول التعلم عن بعد

بإمكانك اختيار أن تصدق هذا أو لا هناك وصم مجتمعي للتعليم عن بعد. يعتقد الناس (خصوصا من هم فوق ال 50 عام) أن من يحصلون على درجة علمية عن بعد هم أقل كفاءة من أولئك الذين يحصلون على نفس الدرجة ولكن عن طريق النظام التقليدي. ونظرًا لأن الغالبية العظمى من الطلاب يحتاجون إلي موافقة الأسرة على اختيار الجامعة لتوفير الدعم المادي فإن اختيار برنامج أكاديمي عن بعد ليس بالأمر الهين. ولكن الآن ومع تطبيق أكثر الجامعات المصرية عراقة لبرامج التعلم عن بعد بإمكاننا إنهاء هذا الوصم. ويمكن للطلاب الاختيار من البرامج الاكاديمية الدولية بدون أى رفض مجتمعي.

في نسخة شبه مثالية من مصر بإمكان كل هذا ان يصبح واقع ولكن المتوقع حدوثه هو حصولنا على نسخة كربونية من نظام التعليم التقليدي ولكن يتم تنفيذها باستخدام الانترنت. وإذا حدث هذا فعلى الأقل يجب علينا أن نعمل سويا لإنهاء الوصم المجتمعي حول التعلم عن بعد.

التعلم عن بعد هو البديل الوحيد لدينا لنظام تعليمي متهالك. يجب علينا ألا نترك تلك الفرصة تذهب هباءًا. أما إذا اتبعنا المسار الخاطئ فسينتهي بنا المطاف بمسخ أسوأ من النظام التقليدي والذي قد يساهم في رفض وممانعة المجتمع للتعلم عن بعد للابد.