“مبروك هتبقي أم! “

لا يمكن هعرف أوصف كم المشاعر اللى حستها لحظه سماع الخبر ده من 18 سنة وكمية الأحلام والتوقعات اللى دارت فى دماغى لحظتها، هي دي اللحظة اللي أخدت فيها عهد على نفسي إني أبقى أم مثالية ووعدت نفسي إني هعمل كل حاجة ممكن تتعمل علشان أطلع بنتي بنت مثالية.

بدأت التجهيز والإعداد للطفلة اللى منتظراها بمنتهى الحنان والحب والحماس واشتريت كم هايل من الكتب اللى بتتكلم على التغذية والتربية  وطرق التعامل مع الأطفال وحشيت بيها دماغى.

رسمت مستقبل البنت وابتديت أكتب كل حاجة في كشكول عشان أفضل مركزة، حطيت فيه كل الأمنيات اللى بتتمناها أى أم لبنتها وزودت عليهم كل المهارات اللي لازم أتعلمها علشان أقوم بواجبي تجاه بنتي صح، وكنت بنفذ كل حاجة بحذافيرها لدرجة التشدد.

بدأ قطارالأمومه يتحرك وبدأ معاه تنفيذ الخطة وبدأ الكائن البشرى الجميل يكبر وشخصيته تتطور ويعارض الخطة بفطرته الحرة اللى ربنا خلقه عليها … وبدأ الصدام … و بدأ حماسى وفرحتى وشغفى بالأمومه يقل وبدأت الأغلاط البشرية اللي مش بتتصلح تحصل وقطارالأمومه مكمل بسرعته والمحطات اللى بتفوت مش بترجع تانى.

ابتدت مشاعر الخوف والقلق والإحساس بالذنب تتسرب إلى نفسي وابتدت تبدد حلم الأم المثالية، كنت كل يوم بفتكرعهدى لنفسى وأفتكر الشعار اللى كنت كتباه فى الخطة العجيبه: ” الطفل العظيم لازم يكون له أم مثاليه” ، وأبص لنفسي أشوف أنا فين دلوقتي من الكلام ده..بعد نهاية كل يوم  وقبل النوم كانت بتتنصب المحكمه.. المحكمه اللى كنت فيها أنا القاضى والمتهم والجلاد:

ليه عملت كده؟ إزاى نسيت أعمل كذا ؟ أنا أذيت البنت؟

هو أنا بأذيها بإني عاوزة مصلحتها؟

فى أم فى الدنيا تعمل كده؟ الأم لازم تكون كذا

طب ما كل الأمهات بتغلط!

بس إنتي مش هينفع تغلطي، إنتي عاوزة طفل عظيم والطفل العظيم لازم أمه تكون عظيمة ومثالية!

أنا تعبت، أنا عاوزة أرتاح…

مفيش أم بتتعب ولا بتشتكي، إنتي بتتخلى عن مسئولياتك ولا ايه؟! ده دورك!

أنا خايفة .. أنا قلقانه .. انا مضغوطه…

إنتي بتدلعي .. إنتي انانية .. إنتي ماتستاهليش تبقي أم!

ومع الوقت اترسمت التكشيرة على وشى والإحساس بالذنب والفشل سيطروا عليا، لحد ما اتكلمت مع أحد زمايلى فى الشغل واللي كان معروف بحكمته،  وأثناء ما كنت بعبر له عن حيرتى المستمرة وعن قلقى على بنتى وخوفي إني أكون بتصرفاتى بفسد عليها حياتها ومستقبلها، رد عليا زميلي بهدوئة المعتاد وحكمته و قال لي:

"يا أستاذه إنتي بشر والبشر بتغلط والغلط مقبول .. ربنا يا أستاذة بيدينا نيتنا فى تربيتنا لأولادنا حتى لو أخطأنا فى الأخذ بالأسباب."

فى اللحظه دى، كأن في نور جديد نور حياتي، وظهر فى المحكمه أخيرا جنب القاضى والمتهم والجلاد ..شخص جديد متعاطف وبيدافع .. أخيرا بقى فى المحكمه محامى.

أنا  بشر.. أنا إنسانه.. أنا ممكن أغلط وربنا رحيم هيدينى اللى فى نيتى حتى لو غلطت،

المثالية حلم بنسعى له لكن مش بنعيشه.

اللحظة دى اكتشفت فيها إنى محتاجه أراجع  نظرتى لنفسى فى حاجات كتير.. إني أراجع شكل العلاقة ودورى فى حياة بنتى  ..محتاجة أراجع أفكارى وتصوراتى عن التربية بشكل يوسع عليا مش يضيق حدودي وحدود بنتي.

محتاجة من وقت للثانى إني أخرج نفسى من دايرة أولادى وأرجع تانى دايرتى وده اللى هيدينى فرصة أحكم على الأمور بهدوء وموضوعية .

لكل أم مجتهدة ومحبة وصادقة لكن متعودة تنصب لنفسها المحكمة وتعيط قبل ماتنام: حبي نفسك، سامحيها، وكوني بيها رحيمة، واطمني، ربنا دايماً معاكي،  إحنا صحيح لازم نبذل قصارى جهدنا فى تربية أولادنا لكن فى نفس الوقت مش محتاجين نتحرق نفسيا وبدنيا وعصبيا.

إكسري القوالب اللى المجتمع حطنا فيها كأمهات ومفكرناش لحظة إننا نراجعها أو ننقدها أو نقيس أصلاً مدى مناسبتها لينا ولظروفنا ولأولادنا وشخصياتنا المختلفه.

الأم  مش "شمعة تحترق من أجل الآخرين،" الأم إنسانه عادية ممكن تغلط وممكن تتعب.

ولو عندك كشكولك الخاص، كل اللي محتاجة تكتبيه فيه: "الطفل العظيم مش محتاج لأم مثالية، بل محتاج أم بتجتهد أن تكون مثالية."

مع تحيات أم فى المحطة ١٨ من محطات قطار الأمومه  🙂

نيهال السحيمي

إلى جانب حبها للسفر والتأمل وعشقها  للشعر ولصوت الكمان، تشاركننا نيهال تحقيق حلمنا لتطوير التعليم في مصر كأخصائية  تنميه مهنية بالمؤسسة، انضمت نيهال لمؤسستنا في عام 2016 وتخرجت من مدرسة المشورة في ٢٠١٥ بعد حصولهاعلي دبلومه في الإرشاد النفسي والأسري من جامعة عين شمس في ٢٠١٠ إلى جانب عملها بالمؤسسة تقدم نيهال المشورة النفسية والتربوية و تقوم بتصميم البرامج  التربوية التي تساعد المربين علي إنشاء علاقات صحية مع أبنائهم وتدربهم عليها كما تشارك في تصميم المناهج التربوية الخاصة بالمراهقين والأطفال والتي تساعد على تنمية شخصياتهم وتمكينهم وزيادة ثقتهم بنفسهم بحيث يكونوا قادرين علي الإبداع والإنتاج والتعامل مع متطلبات الحياة المختلفه.